كيف يمكن لـ تكنولوجيا البلوكشين حماية حقوق الإنسان حول العالم؟
قد لا يكون البلوكشين هو الدواء الشافي لجميع مشاكل العالم، ولكن هناك العديد من المجالات التي يمكنه أن يُحدث فيها تغيير بالفعل. ومن أحد هذه المجالات “حقوق الإنسان”. فوفقاً لتقرير صدر عام 2014 عن مؤسسة “فريدوم هاوس” فإن هناك 40٪ فقط من سكان العالم يعيشون في بلدان “حرة”. ولتعريف كلمة حرة يكفي القول أنها تلك الدولة التي من المفترض أنها تحترم حقوق الإنسان الأساسية ولكن نحن الآن في 2018 وقد تغير الكثير وللأسف ليس للأفضل.
لقطة من حقوق الإنسان حول العالم
غالبًا ما نتعامل مع حقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية الرأي التعبير وحرية السفر والتنقل. وينسى الكثيرون منا أنه في بعض البلدان يمكن ببساطة أن تدخل السجن بسبب ذلك أو ان تُقتل حتى مقابل فكرك ورأيك وحريتك نظرًا لأن معظم العالم لا يزال تحت سيطرة الحكومات الفاسدة والقمعية، إلا أن تكنولوجيا البلوكشين يمكنها أن تسهّل طريقة حل تلك المشكلة.
يغطي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة درجة من الحقوق الأساسية التي يستحقها جميع الناس. ومع ذلك، فإن الكثير من المواطنين حول العالم لا يحصلون على تلك الحقوق. ومن بين قائمة مكونة من 30 مادة، تتمثل في نقاط عريضة وهي: الحق في المساواة، والتحرر من العبودية، والتخلص من التمييز والتعذيب، بالإضافة إلي حماية حرية الرأي والوصول إلى المعلومات.
وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر هذا العام أن العديد من الدول “المفترض” انها تلتزم بذلك الإعلان العالمي تخفق في الامتثال لحقوق الإنسان الأساسية. وتعتبر الأزمة الإنسانية في “فنزويلا” واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ البلاد وكذلك إن حالة الحرب المستمرة في العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وتحطم جميع حقوق الإنسان الأساسية في الغذاء والمأوى. ضف إلى ذلك استمرار الحملات التركية القمعية للصحفيين والنشطاء السياسيين وخفض سقف حرية التعبير في روسيا، كل تلك المظاهر تتعارض مُباشرةً مع اتفاق حقوق الإنسان.
غالبًا ما يتصور الناس ان هناك ارتباط مؤكد بين انتهاكات حقوق الإنسان والدول النامية والأنظمة القمعية ولكن “الولايات المتحدة الامريكية” و “الاتحاد الأوروبي” و “أستراليا” اكتسبت مكانًا بين أسوأ مُنتهكي حقوق الإنسان على قائمة منظمة العفو الدولية.
وقد تم استبعاد الاتحاد الأوروبي وأستراليا بسبب معاملتهما “القاسية” للاجئين، كما أن حظر “ترامب” المثير للجدل لقبول المسافرين يمثل انتهاكًا لحق الإنسان في حرية التنقل ويظهر التمييز على أسس دينية.
البلوكشين وحقوق الإنسان
مع تقنية البلوكشين، يمكننا تتبع قضايا حقوق الإنسان بسهولة أكبر. وهذا سيوفر الشفافية ويعلن عن امكانية مساءلة البلدان النامية والمتقدمة على حدٍ سواء. في اذهان الكثيرين حينما يأتي الحديث عن البلوكشين يظن البعض أنه امر مُستقبلي بعيد وليس حاضرًا على الإطلاق، ومع ذلك هناك العديد من حالات يمكن فيها الاستخدام العملي للبلوكشين في مجال حقوق الإنسان في الوقت الحالي. لنلق نظرة على بعض الأمثلة.
الحق في مستوى المعيشة العادل
من “زيمبابوي” إلى “فنزويلا” ومن “بورما” إلى “سوريا”، لا يستطيع الناس في جميع أنحاء العالم الوصول إلى حقهم في مستوى معيشي لائق. وهذا يعني حصولهم على الطعام وتوفر مياه الشرب وعدم إجبارها على العيش في منطقة نزاع أو في خوف من الاضطهاد. ففي البلدان التي يزيل فيها التضخم المُفرط من مدخرات الناس، يبدأ “المجتمع المدني” و “حقوق الإنسان” بالتجمع. بدأت العملات المشفرة تؤجج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في فنزويلا من خلال تبني عملة “بيترو” الرقمية.
ومع انخفاض قيمة العملة الوطنية بنسبة وصلت إلى 95% من يوم لآخر، يتحول المزيد من الفنزويليين إلى استخدام العملات الرقمية المشفرة مثل: عملة البيتكوين وغيرها..إلخ. وفي الواقع هناك الآن أكثر من 900 تاجر يقبلون الدفع بها في جميع أنحاء البلاد. وطبقًا لكلام “مؤسس داش فنزويلا”: “لقد استخدم الفنزويليون العملة المشفرة منذ سنوات لحماية رأس المال من التضخم. ولكن الآن مع داش، فقد فتحت نافذة جديدة كوسيلة للدفع. إنها طريقة سهلة للحصول على بديل أقوى من بوليفار (العملة الفينزويلية) وهو أمر شرعي وضمن نطاق القانون”.
العملة الرقمية تتيح المزيد من التجارة الصغيرة والإقراض الأصغر. نظرًا لأنه يمكنك وضع قيمة محددة لأقصى كمية حينها يصبح حجم التداول القابل للتطبيق اقتصاديًا أصغر. تشكل البلوكشين وحقوق الإنسان حالة أكثر إقناعا حيث يمكن للناس في جميع أنحاء العالم الوصول إلى النظام المصرفي، وبدء أعمالهم الخاصة من خلالها.
الحق في المشاركة في الحكومة واقامة انتخابات حُرة
ومن بين مواد حقوق الانسان المنصوص عليها في الميثاق العالمي للأمم المتحدة، هو الحق في المشاركة في الحكومة وفي الانتخابات الحرة. ومع ذلك ، يتم حرمان هذا عمدا لكثير من الناس. فمثلًا؛ الاحتيال الانتخابي أمر شائع في جميع أنحاء العالم. حتى في بلدان مثل: الولايات المتحدة الامريكية التي أعلنت نفسها على أنها “أرض الحرية” إلا انه كانت هناك تدخلات واضحة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
نتج عن الانتخابات الكينية في عام 2017 إراقة الدماء والجدل والفوضى على الحدود وفي وسط البلاد في ظل حالة اقتتال بين الأهالي. وكان هناك شعور واسع الانتشار بأن الانتخابات مُزورة، وكثير من الكينيين لم يتمكنوا من المشاركة بسبب ترهيب الناخبين بالسلاح أو ترغيبهم بالمال. ومع ذلك كان هناك أصوات عالية تصرخ ضد الانتخابات وتدّعي بأنها زُيفت لكن ذلك تم التغطية عليه من قبل المرشح الخصم والذي فاز بالسُلطة بنسبة سريالية للغاية تقدر بـ 98% من اجمالي الأصوات.
ومع هذا لا يُعد تزوير الانتخابات وتوجيه الناخبين مشكلة مقتصرة على القارة الافريقية بدولها النامية فحسب. بل هو سلوك شائع ومنتشر في جميع أنحاء العالم، وايضًا منتشر في الشركات الخاصة والشركات العامة. ولكن بمجرد استخدام البلوكشين كآلية تقوم عليها عملية التصويت فإنه ستضمن نزاهة وشفافية تامة والنتائج سوف تكون إيجابية للغاية.. حيث يمكن للناس التصويت في خصوصية داخل منازلهم بعيدًا عن التوجيه والتخويف. وجميع الأصوات سيتم جمعها بالدليل المثبت في الدفاتر، مثل التصويت المجهول في صناديق الاقتراع.
لا تزال هناك بعض القضايا التي ينبغي تسويتها عندما يتعلق الأمر بتصويت البلوكشين مثل: التحقق من هوية الناخبين والتأكد من أن الأشخاص أنفسهم لا يصوتون مرتين، ولكن هناك دولاً مثل “استونيا” اثبتت بالفعل أن ذلك ممكن. في الواقع جميع الاستونيين لديهم بطاقات هوية خاصة بهم يمكنهم استخدامها للتصويت عبر تقنية البلوكشين بشكل آمن وبسرعة.
الحق في حرية الرأي وحق تداول المعلومات
وفقا للجنة حماية الصحفيين، فإنه في ديسمبر من عام 2017، تم تسجيل عدد كبير من الصحفيين في جميع أنحاء العالم. أكبر التجمعات في الصين وتركيا ومصر. حرية الرأي والمعلومات ترف للكثيرين في هذه الأجزاء من العالم. إذا لم تعجب الحكومة بمواقع معينة، فيمكنها إغلاقها أو مراقبتها. ويكيبيديا، على سبيل المثال، تخضع للرقابة أو الحظر في العديد من البلدان، بما في ذلك “روسيا” و “إيران” و “الصين” و “تركيا” بل وحتى “فرنسا”.
إن حقيقة أن تقنية البلوكشين توفر لنا تكنولوجيا لامركزية عالمية وغير خاضعة للرقابة يعني أنه لا يمكن لأي كيان مركزي أو حكومة محلية أن تُغلقه.. وهو الأمر الهام في هذه المسألة، حيث تتحقق خصوصية المراسلات والشبكات الخاصة مرة اخرى وفتح منابر لمقاومة الرقابة على الشبكات تهدف إلى ضمان استمرار العالم الحر والاتصالات بشكل غير قابل للسيطرة والتضييق. وهو ما يؤكد أن للبلوكشين يمكنه توفير امكانيات في مجال حقوق الانسان لا حصر لها عندما يتعلق الأمر بحرية المعلومات.
الخلاصة الختامية
المزيد من حالات استخدام البلوكشين في مجال حقوق الإنسان سوف تتطور مع مرور الوقت. من بين الثلاثين مادة الذين تم صياغتهم في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة، فإن تقنية البلوكشين لديها القدرة على مساعدة الكثيرين الذين يفقدون تلك الحقوق يومًا بعد يوم.
وإذا تم استخدامها (تكنولوجيا البلوكشين) بشكل صحيح في إدارة الهوية، سنكون قادرين على القضاء على العبودية وجرائم الاتجار بالبشر، بل ويمكن لملكية السندات أن تحدد ملكية الأراضي المُسجلة على دفتر موثق وشفاف مما سيضع حداً للاستيلاء غير المشروع على الأراضي.
هناك بالتأكيد العديد من مشاكل حقوق الإنسان للتصدي لها. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة عدد الحالات التي تلعب فيها تقنية البلوكشين دور اساسي كـ”حلّال العُقد”.
مجالات اخرى يمكن للبلوكشين تغييرها للأفضل..